موقع ديلي بيست الأمريكي, زاوية نساء من العالم ,الجمعة 29 تشرين الثاني 2013
جيمي ديتمير
هذه الفتاة ليست أصغر شرطية في المنطقة الشمالية الشرقية التي تخضع لسيطرة الكرد في سورية فحسب ، و لكنها أحد أصغر الشرطيات في أي مكان آخر من العالم. لكن الفتاة النحيفة السمراء ذو الشعر الطويل و التي تبلغ سبعة عشر ربيعا, ليست مُنزعجة من عملها، تملأها الثقة و تقول بأنها لا تسمح للعمر, الجنس أو المظهر الجميل بمنعها من تأدية عملها ,بالرغم من حقيقة أنها تعمل في بلد شرق أوسطي تسوده كثيرا السلطة الأبوية في الحرب الأهلية .
تتحدث من مكتب الشرطة المُكشوف في وسط مدينة القامشلي ، و هي أكبر بلدة في الزاوية الشمالية الشرقية من سورية و التي يعتبرها كرد سورية عاصمتهم، تعرض غطاء سلاحها، و تُظهر ابتسامة خجولة ، و تقول بأنها قد استخدمت القيود المُعلقة على طرف بدلتها الرسمية الأخرى.
- باران - التي لا ترغب بأن تصرح باسم عائلتها ، تقول بأنها قد تلقت الدعم من عائلتها كي تلتحق بأول وحدة لشرطة البلدية في سورية و التي أنشأت على يد المجلس التطوعي في المدينة و الذي تشكل في هذا العام في أعقاب سحب الرئيس بشار الأسد معظم قواته من كردستان سورية.
الرئيسة المشتركة النشيطة - سما بكداش - التي تبلغ ثلاثين عاما ، تقول بأنها مع زميلاتها الأعضاء في المجالس – حيث الكثير منهم ( و ليس جميعهن) أعضاء في حزب الإتحاد الديمقراطي, الحزب اليساري ، أو الفصيل السياسي البارز بين كرد سورية, مُصممات على إحداث تغيير سياسي و اجتماعي كبير. يعتبرون ذلك أساسا في عنصر الإصلاح الذي سُيبدل من آفاق المرأة في كردستان سورية ، و سيوسع من دورهن في الحياة العامة و السياسية. ما نسبته أربعين بالمائة من جميع وظائف المجالس هي للنساء.
" يأتي الصحفيون إلى هنا فقط لرؤية القتال و التركيز على الدمار و الجهاديين ولا يقفون على ما نحاول القيام به هنا ، لإجراء تغييرات و احراز تقدم. لدينا برنامج و فكرة واضحة عما نريد تحقيقه " تقول سما بكداش .
لم تكن الظروف في صالح حدوث ذلك. أنشأ الكرد منطقة مُستقرة لأنفسهم في خضم الحرب الأهلية الدامية و المستعرة، و في أعقاب طرد المجموعات الجهادية المرتبطة بتنظيم القاعدة من مناطق من كردستان سورية على يد القوات الكردية. لكنهم محاطون بالأعداء المُتمثلين بالجهاديين والإسلاميين المتشددين الذين لا يحملون هذه الأفكار الإصلاحية التقدمية خصوصا عندما يتعلق الأمر بالمرأة ، و الحكومة التركية بقيادة رجب طيب أردوغان التي تخشى من صعود دويلة كردية في سورية.
قد يقرر الأسد في أي وقت القضاء على الحكم الذاتي الكردي ، وهو أمر يقلق الكرد بشأن حدوثه إذا تمكنت الحكومة السورية من استعادة نصف مدينة حلب التي يُسيطر عليها حاليا الثوار .
في مقدمة تلك التهديدات هناك انقسامات سياسية كبيرة بين كرد سورية. فحزب الإتحاد الديمقراطي ، الذي كان السبب وراء طرد المجاهدين من المنطقة الشمالية الشرقية ، قد شكل تحالفات مع العديد من الفصائل السياسية الأخرى ، و لكن يبقى من غير الواضح فيما إذا كانت الوحدة ستصمد على المدى الطويل. فصائل سياسية كردية أخرى متحالفة مع المجلس الوطني السوري المدعوم من الغرب و الجيش السوري الحر يُعارضون حزب الإتحاد الديمقراطي . يدعي منتقدو حزب الإتحاد الديمقراطي بأنه يتبع سياسة قاسية و يهدف إلى احتكار السلطة السياسية. و يُشيرون إلى القمع العنيف لتظاهرة مؤيدة للجيش السوري الحر في أوائل الصيف في بلدة عامودا التي قُتل فيها سبعة مدنيين.
ولكن داخل الكيان الكردي الذي أنشأ في المنطقة الشمالية الشرقية من سورية في المناطق المتاخمة لتركيا والعراق هناك شعور بالهدف المُشترك و النساء مثل باران يغتنمون الفرصة المتاحة.
"أرغب بتحدي تصُور قائم هنا بين الناس من أن المرأة ضعيفة ولا يمكنها القيام بوظائف مثل هذا وأرغب في إظهار أنه بوسعنا فعل ذلك "، تهزُ رأسها بقوة عندما تقول زميلتها نجبير التي تبلغ العشرين عاما " كان الأمر خارج تفكيرنا في أنه بوسعنا الإلتحاق بالشرطة. جاءت الفكرة فقط في العام الماضي مع قرار يمكن المرأة من أن تصبح ضابطة شرطة ، لكننا لم نفكر في ذلك من قبل".
تقول باران بأنها قد قامت بإعتقالات . " نحن نتعامل في الغالب مع المجرمات" و قالت بأنها تختلف بالطريقة التي تقوم بها مع زميلاتها في هذه المهمة مقارنة مع الرجال. " نستخدم نهجا مختلفا ، وهو أكثر ليونة ، و نحاول إقناع المشتبه بأن يأتي معنا و لا نلجأ إلى الإحتجاز الجسدي . ذلك هو آخر ما نلجأ له . في حادثة غضبت مني امرأة مسنة ، كانت تقوم بالنشَل ، و قالت بأنني مجرد فتاة صغيرة و بأنها أكبر مني سننا لكنني تمكنت من اقناعها بأن من الأفضل لها أن تأتي معي " .
ليست باران مع رفاقها الخمسة من الشرطة البلدية لوحدهن في الجمع بين الأدوار الأمنية مع الإصرار على أن يكونوا من عوامل التغيير . تقاتل نساء كرديات بأعداد كبيرة لحماية كردستان سورية. هن في الصفوف الأمامية ، يحافظن على القانون والنظام و يقمن بحراسة نقاط التفتيش والمباني الاستراتيجية من الجهاديين والإسلاميين الراديكاليين .
يقول محللون بأنه لا توجد أي مجموعة عرقية أو دينية أخرى قد كونت فرقا م بهذه الأعداد من المقاتلات الإناث في الحرب الأهلية الوحشية التي مضى عليها عامان و نصف في سورية. تُشكل الإناث ما نسبته عشرين بالمئة من المقاتلين الكرد الذين يتجَمعون في صفوف وحدات حماية الشعب.
المقر الرئيسي على بعد بضعة أميال من منطقة السوق المركزي لمدينة القامشلي حيث توجد وحدة باران , توجد محلات على الطريق مخزنة بكمية قليلة من الملابس ، السلع الكهربائية والمنتجات الغذائية المُهربة من تركيا ، باعة مُتجولون على الطريق يبيعون الفواكه و الخضروات المنتجة محليا ، تقع مفرزة الأسايش المكونة من خمسين عضوة من النساء القويات - قوى الأمن الداخلي و هي منفصلة عن المقاتلات في وحدات الحماية الشعبية ، بالرغم من أن هناك تداخل في واجباتهم . معدل الأعمار هي ما بين 18-40 . ثلاثة من النساء مُتزوجات ، و القائدة هي أم لولدين و فتاة صغيرة.
يقع سكن المفرزة المكونة من طابقين خلف حاجز الطريق ،هو بسيط بإستثناء مكتب القائدة حيث وضعت طاولة و مجموعة من الآرائك. الغرفتان حيث تنام النساء توجد فيها أسرة نوم على طول جدران الغرفة ، جُهزالمطبخ بعدد قليل من الأواني والمقالي . هناك مرحاض واحد فقط يُصرف بطريقة نظيفة .
لا يزال المبنى غير مزود بالتدفئة في هذه المساء البارد ,ترتدي المقاتلات لباسهن ذو اللون الأخضر الزيتوني. بعض الأعضاء هن في صفوف حزب الإتحاد الديمقراطي ، أم الآخريات فليسوا كذلك. تقول العشرات من المقاتلات اللواتي تم مقابلتهن من قبل موقع ديلي بيست أن لديهن هدفا مزدوجا في التطوع في قوات الأمن الكردية :أن يحموا كردستان و للمساعدة في تغيير المفاهيم التقليدية عن المرأة .
التحقت روناك التي تبلغ العشرين عاما قبل ثلاثة أشهر. الأطول من بين النساء و التي لديها ملامح وجه بارزة ، ترتدي سترة زرقاء و سترة ذخيرة سوداء على بدلتها. " التحقت لأحمي الناس و أظهر أنه بوسعنا القيام بنفس الأشياء التي يقوم بها الرجال. والدي , شقيقاتي الثلاث و أشقائي الأربعة فخورون بي " عندما ينتهي الصراع فهي تعتزم البقاء في الزي العسكري. "ستكون هناك تحديات جديدة لاحقا و أرغب بالمساعدة في مواجهتها "
لاترى أن هناك أي شيء يتعارض من كونها امرأة و مقاتلة . " لقد نجحنا في تغيير رأي الناس و معظم الناس يحترموننا "
على جدراين مكتب القائدة هناك صور لنساء كرديات توفين أثناء قتال الجهاديين و محاربة قوات الأسد في حي الشيخ مقصود الكردي في مدينة حلب. توفيت على الأقل ثلاثة عشر امرأة كردية في الدفاع عن كردستان سورية. بالرغم من الإبتسامات العفوية و ثقة هؤلاء النساء , فإن هناك خطر في كل مكان و ليس فقط في الصفوف الأمامية حيث تحاول وحدات الحماية الشعبية الإستيلاء على مزيد من الأراضي من الجهاديين و الإسلاميين .
بدأ الجهاديون بحملة متزايدة من التفجيرات بالسيارات والإنتحاريين في الأسابيع الأخيرة . كان هناك أربعون تفجيرا منذ الصيف ، منها ثلاث هجمات انتحارية ، في كردستان سورية. قُتل نحو أربعون شخصا وأصيب العشرات. أحدثها جاء في 24 تشرين الثاني عندما فجر انتحاري سيارة ملغومة خارج قاعدة الأسايش في منطقة قناة السويس في القامشلي مما أسفر عن مقتل مدني و اثنين من أعضاء قوات الأمن الكردية.
تقول جميلة عباس التي تبلغ سبعة وعشرين عاما - أنها ليست قلقة من الخطر ، " أنا أؤمن بما أقوم به لذلك لست خائفة "
هؤلاء النسوة يحتقرن الجهاديين . يقولون بأنه من السهل القيام بتفجير وعدم الإهتمام بالذين يُقتلون أو يُشوهون , لكن التحدي الأكبر بكثير في أن تقاتل و تبني في نفس الوقت .
جوان إبراهيم هو أحد كبار القادة العسكريين الكرد ، يقول بأن العديد من الجهاديين يُعلقون مفاتيح حول أعناقهم و يحتفظون بملاعق في جيوبهم كرمز لإعتقادهم أنهم عندما يستشهدون فإن أبواب الجنة ستفتح على مصراعيها لهم و أنهم سوف يأكلون مع النبي . هناك يتوقع الجهاديين بأن يتم مكافأتهم بنساء خاضعات لهم، و لكن في الوقت الحاضر بالنسبة لهؤلاء النسوة الكرد على الأرض فهن ينظرنَ إلى الجهاديين على أنهم نقيض كامل: إن الرجال الذين سيدوسون على حقوقهن و يسعون إلى استعبادهن . فليست لديهنَ نية للخضوع .
ترجمة : تمر حسين ابراهيم